كتاب: النظام السياسي عند المسلمين بين الخيال والواقع
المؤلف: الدكتور محمد شمص
عدد الصفحات: 328
✨ أولاً: طبيعة الكتاب وغايته
يُعدّ هذا الكتاب دراسة فكرية تحليلية في بنية النظام السياسي الإسلامي، مقارنةً بالأنظمة الوضعية، وبما آل إليه التطبيق الإسلامي في التاريخ.
هدف المؤلف هو الفصل بين “النموذج النظري المثالي” للنظام السياسي في الإسلام كما ورد في النصوص، وبين “الواقع التاريخي” الذي مارسه الحكّام، ليكشف بذلك الفارق بين «الإسلام كمنهج» و«المسلمين كحكومات».
✨ ثانياً: منهج الدكتور شمص في البحث
-
يعتمد على التحليل النصّي القرآني والنبوي أولاً، ثم المقارنة بالتجربة التاريخية الإسلامية.
-
يستند إلى منهج نقدي واقعي يربط بين العقيدة والسياسة، بعيداً عن التبرير أو المثالية المطلقة.
-
يوظّف أدوات البحث العلمي الحديث في السياسة الشرعية، مع مقارنة الأنظمة الإسلامية بالأنظمة الديمقراطية والليبرالية.
✨ ثالثاً: الهيكل العام للكتاب
يتكوّن الكتاب من مقدمةٍ وأربعة أبواب رئيسة، يليها خاتمة تحليلية.
🔹 الباب الأول: المفهوم الإسلامي للسلطة والحكم
-
يبدأ المؤلف بطرح سؤال جوهري:
«هل الإسلام دينٌ روحيٌّ فقط، أم منظومة حكمٍ كاملة؟»
-
يبيّن أن الإسلام جاء بنظامٍ سياسيٍّ متكاملٍ قوامه العدل والشورى والولاية الإلهية.
-
يفرّق بين:
-
الحكم في الإسلام (كأمانة إلهية).
-
والسياسة عند المسلمين (كتطبيق بشري متغيّر).
-
-
يستشهد بآيات:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾
و
﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ -
يرى أن مبدأ الولاية الإلهية هو الأساس الذي يقوم عليه الحكم الإسلامي، وأن الشورى لا تُنافي الإمامة بل تُكملها.
🔹 الباب الثاني: النظرية السياسية في الإسلام بين النص والتاريخ
-
يناقش المؤلف كيف تحوّل النظام الإسلامي من الخلافة الراشدة إلى الملك الوراثي، وكيف انفصلت السلطة عن الرسالة.
-
يُقارن بين:
-
النظام النبوي والإمامي القائم على الوحي والعدل.
-
النظام الأموي والعباسي القائم على العصبية والسيف.
-
-
يبيّن أن معظم الانحرافات السياسية في التاريخ الإسلامي نتجت عن إلغاء مبدأ الإمامة الإلهية، واعتبار الحكم شأناً دنيوياً.
-
يوضح أن الفارق بين النظرية والتطبيق هو فارق بين الوحي والهوى، لا بين الدين والزمان.
🔹 الباب الثالث: مكونات النظام السياسي الإسلامي
يتناول المؤلف فيه الأسس المؤسِّسة لأي نظام حكمٍ إسلاميٍّ عادل:
-
القيادة والولاية:
-
يبيّن شروط الحاكم الشرعي في الإسلام: العلم، العدالة، التقوى، الكفاءة.
-
يربط مفهوم الإمام المعصوم أو الفقيه الجامع للشرائط بمبدأ القيادة الإلهية.
-
ويشير إلى أنّ «السلطة في الإسلام تفويضٌ من الله، لا تفويضٌ من الجماهير».
-
-
الأمة والشورى:
-
الأمة شريكة في القرار من خلال البيعة والمراقبة والنصيحة.
-
يفرّق بين الشورى الملزمة والشورى الاستشارية.
-
يرفض التسييس القَبَلي والديمقراطية الشكلية التي تنزع البعد الأخلاقي من الحكم.
-
-
العدالة والمساواة:
-
العدالة ليست قيمة أخلاقية فقط بل ركن وجودي في نظام الحكم.
-
يربطها بمبدأ «الحق قبل القوة»، ويقارنها بالعدالة الليبرالية الحديثة.
-
-
القانون والتشريع:
-
مصدر التشريع هو الكتاب والسنة والعقل والإجماع.
-
يشرح أن «سيادة القانون» في الإسلام تعني سيادة شريعة الله لا الإنسان.
-
-
الحرية والمسؤولية:
-
الحرية في الإسلام مقيدة بالحقّ، وليست حريةً مطلقة بلا ضوابط.
-
يرى أن أعظم حرية هي تحرّر الإنسان من عبودية غير الله.
-
🔹 الباب الرابع: بين الخيال والواقع
-
يناقش فيه المؤلف الفجوة بين النظرية الإسلامية والممارسة التاريخية.
-
يطرح السؤال المؤلم:
«لماذا فشلت الدول الإسلامية في تجسيد قيم الإسلام السياسية؟»
-
يعزو الأسباب إلى:
-
الاستبداد باسم الدين.
-
الجهل بمفاهيم الحكم الإسلامي.
-
غياب المؤسسات الشرعية والرقابة الأخلاقية.
-
استيراد الأنظمة الغربية دون روحٍ إسلامية.
-
-
ثم يعرض نماذج إصلاحية حديثة حاولت التوفيق بين الدين والسياسة، منها تجربة الثورة الإسلامية في إيران، وتجارب الحركات الإسلامية في الفكر والتنظيم.
-
يؤكد أن الإسلام ليس بحاجةٍ إلى تحديثٍ ليواكب العصر، بل إلى تطبيقٍ صادقٍ يترجم جوهره.
🔹 الخاتمة
-
يلخّص المؤلف النتائج بقوله:
«النظام السياسي الإسلامي قائمٌ على ثلاثة أعمدة: العدل، والولاية، والشورى. فإذا اختلّ أحدها، ضاع التوازن وانقلب الحكم إلى استبدادٍ باسم الدين.»
-
ويختم بنداءٍ فكريٍّ يقول فيه:
«الإسلام الواقعي هو ما يجسّده العدل، لا ما تنطقه الشعارات.»
✨ رابعاً: مميزات الكتاب
-
جمع بين التحليل الأكاديمي والوعي الديني.
-
يوازن بين النقد التاريخي والطرح الإصلاحي.
-
يعتمد لغة فكرية واضحة بعيدة عن التبسيط أو الغلو.
-
يناقش المفاهيم السياسية الحديثة بمنهج قرآني.
-
يصلح كمرجع للباحثين في الفكر السياسي الإسلامي.
✨ خامساً: القيمة الفكرية والسياسية للكتاب
-
يُعدّ من الكتب المعاصرة التي تُعيد تعريف السياسة من منظورٍ أخلاقي توحيدي.
-
يُبرز أن النظام الإسلامي ليس utopia خيالية، بل نموذج عملي مشروط بالعدالة والوعي.
-
يقدّم نقداً جريئاً للحكام المسلمين الذين استبدلوا الإمامة بالسلطنة.
-
ويدعو لإحياء فكر ولاية الفقيه بوصفه الامتداد الطبيعي للإمامة المعصومة.
✨ خلاصة الخلاصة
إن كتاب «النظام السياسي عند المسلمين بين الخيال والواقع» هو مرآة صادقة للفكر السياسي الإسلامي؛
يضع أمام القارئ معادلة دقيقة:
«الإسلام الحقيقي نظام عدلٍ إلهيٍّ، لكن تطبيق المسلمين له ظلّ أسير أهواء السياسة.»
إنه دعوة إلى تصحيح العلاقة بين الدين والدولة، وإلى أن تعود السياسة عبادةً لله لا تجارةً بالعباد.