كتاب: هوية التشيع
المؤلف: الدكتور أحمد الوائلي
عدد الصفحات: 241
📘 هوية التشيع
المؤلف: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله)
عدد الصفحات: 241 صفحة
الناشر: المؤسسة العربية للطباعة والنشر – بيروت، الطبعة الثانية 1993م
✨ أولاً: عن المؤلف ومكانته
الشيخ الدكتور أحمد الوائلي (1928–2003م) هو الخطيب المفكّر، والعالم الموسوعي الذي جمع بين عمق العلم الحوزوي ودقّة البحث الأكاديمي، عُرف بـ«عميد المنبر الحسيني» وترك عشرات المؤلفات الفكرية، منها من فقه الحياة ومن وحي الثقلين والإيمان والإبداع.
ويمتاز بأسلوبه العقلاني، القائم على التحليل المنطقي وربط العقيدة بالحياة.
✨ ثانياً: غاية الكتاب
في مقدمة الطبعة الثانية (ص 3–5) يصرّح الشيخ الوائلي بأن هذا الكتاب كُتب استجابةً لحاجة الجيل المسلم إلى فهمٍ علميٍّ لهوية التشيع بعد أن غزت الساحة أفكارٌ مشوّهة وأقلامٌ مغرضة تحاول تصوير التشيع مذهباً سياسياً أو طارئاً بعد الإسلام، فيقول:
«لقد كان هذا الكتاب ـ بعون الله ـ محاولة لتوضيح معالم الفكر الشيعي وردّ التحريفات التي شوّهت صورته في الأذهان، إذ رأيتُ أن كثيرين يتحدثون عن التشيع دون أن يعرفوا جوهره الروحي والفكري.»
✨ ثالثاً: بنية الكتاب ومحتوياته
يتألف الكتاب من مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول رئيسة:
🔹 المقدمة (ص 5–10):
-
يعرض المؤلف دوافع الكتابة، موضحاً أن التشيع هو منهج حياة لا مذهب سياسي.
-
يبين أن هدفه ليس الدفاع المجرد بل الإصلاح الفكري، فيقول:
«الإصلاح هو إرث الأئمة، وما كانت فتوح الإسلام إلا مواطن لتجديد العقول وإحياء القيم.»
-
يؤكد أن الخلاف بين المسلمين لم يكن في جوهر الدين بل في تأويل النص، وأنه لا بد من العودة إلى منبع العصمة، أي أهل البيت (ع).
-
ثم يصرّح أن مشروعه ليس جدلاً مذهبياً بل تجديدٌ للوعي الإسلامي على ضوء الفكر العلوي.
🔹 التمهيد (ص 11–13): معنى التشيع لغةً واصطلاحاً
-
لغةً: التشيّع هو المتابعة والمناصرة والولاء، كما ورد في استعمالات القرآن الكريم، مثل قوله تعالى:
﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾ (الصافات: 83).
-
اصطلاحاً: هو الاعتقاد بوجوب الاقتداء بأئمة أهل البيت (ع) الذين نصّ عليهم النبي (ص) بعده.
-
ينقل الشيخ الوائلي أقوال العلماء القدامى في تعريف التشيع، مثل الشهيد الثاني في شرح اللمعة والشيخ المفيد في أوائل المقالات، مبيناً أنهم أجمعوا على أن جوهر التشيع هو الإيمان بالإمامة الإلهية والعدل والورع.
🔹 الفصل الأول: نشأة التشيع (ص 13–18)
يبيّن المؤلف أن التشيع لم يُخلق بعد وفاة النبي (ص)، بل وُلد معه منذ أول دعوة في دار الأرقم، حينما أعلن النبي ولاية علي (ع) في غدير خمّ.
ويردّ على مزاعم المستشرقين الذين قالوا إن التشيع حركة سياسية نشأت في الكوفة، مؤكداً أن علياً (ع) لم يكن طالبَ سلطةٍ بل حاملَ رسالة.
ويقول:
«الذين يصوّرون التشيع بأنه موقف سياسي أخطأوا فهمه، لأن جوهره كان ولا يزال مبدءاً في العدالة الفكرية والروحية، لا نزاعاً على الحكم.»
كما يوضح أن أول من أطلق اسم «الشيعة» هم النبي (ص) نفسه، حين قال لعلي (ع):
«أنت وشيعتك هم الفائزون يوم القيامة.»
وهذا ما يدل على أصالة الاسم قبل الأحداث السياسية.
🔹 الفصل الثاني: تطوّر التشيع ومراحله (ص 15–18)
يقسّم الشيخ الوائلي التطور إلى ثلاث مراحل:
-
المرحلة الأولى: عصر النصّ، أي زمن النبي والأئمة الأوائل حيث كان التشيع هو الإسلام الخالص في تطبيقه الواقعي.
-
المرحلة الثانية: عصر الصراع السياسي والفكري بعد استشهاد أمير المؤمنين (ع)، وفيه بدأ ظهور الفرق والانقسامات.
-
المرحلة الثالثة: عصر التدوين والكلام، حيث ظهرت المدارس الفكرية الشيعية في الكوفة والمدينة وخراسان، فتمّ تأصيل العقيدة في ضوء القرآن والعقل.
ويستعرض المؤلف آراء الباحثين المعاصرين الذين تناولوا هذا التطور، مثل:
-
عبد العزيز الدوري الذي رأى أن التشيع تطوراً طبيعياً للفكر الإسلامي في ظل الظلم الأموي.
-
الدكتور كامل مصطفى الذي اعتبر التشيع عنصرَ إصلاحٍ أخلاقيٍّ ودينيٍّ في الإسلام وليس خروجاً عليه.
🔹 الفصل الثالث: هوية التشيع (ص 16–20)
يركّز فيه المؤلف على أركان الهوية الشيعية، وهي أربعة:
-
العدالة الإلهية:
التشيع يرى أن الله تعالى لا يظلم أحداً، وأن العدل هو أساس كل حكم، لذا رفض الجبر الأموي والمرجئة. -
الإمامة الإلهية:
الإمامة امتدادٌ للنبوة في حفظ الدين وقيادة الأمة، وهي ليست اجتهاداً بشرياً بل اختيارٌ إلهيٌّ، كما صرّح به حديث الغدير وآية الولاية. -
الاجتهاد العقلي:
الشيعة أول من فتحوا باب الاجتهاد العقلي المنضبط، لأنهم يرون العقل حجة باطنة كما ورد عن الإمام الصادق (ع):«إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وهي الأنبياء، وباطنة وهي العقول.»
-
الأخلاق والروح الثورية:
يؤكد الشيخ الوائلي أن التشيع لم يكن مذهب عزلة، بل روح مقاومة للظلم عبر التاريخ، فهو ثورة على الانحراف لا مذهبًا سياسيًا عابرًا.
وفي خاتمة هذا الفصل، يصرّح المؤلف بأن التشيع هو الإسلام في صورته الكاملة، لأنه يحفظ التوازن بين الشريعة والعقل، بين العبادة والعدالة، وبين الفرد والمجتمع.
✨ رؤية الدكتور الوائلي الفكرية
يقدّم المؤلف رؤية فكرية عميقة في بيان أن الهوية الشيعية ليست انعزالاً مذهبياً بل تجسيدًا للرسالة المحمدية، فيقول في ختام المقدمة (ص 9):
«أمنيتي أن يفهم المسلمون التشيع على أنه مشروع إصلاحٍ للأمة، لا شعارٌ لمذهبٍ بين المذاهب.»
ويؤكد أن الحل في واقع الأمة يكمن في العودة إلى منبع العدالة العلوية، فكما يقول:
«عليٌّ (ع) هو الضمير الإسلامي الذي لا يُساوَم عليه، لأنه يمثّل الإسلام في عدله قبل أن يمثّله في سيفه.»
✨ الأسلوب والمضمون
-
يمتاز الكتاب بأسلوبٍ علميٍّ أدبيٍّ راقٍ، جمع بين المنهج التحليلي والتاريخي.
-
يكثر فيه الاقتباس من القرآن والحديث، إلى جانب تحليل النصوص التاريخية بروح ناقدة.
-
لا يعتمد الشيخ الوائلي على الردّ الجدلي، بل يعتمد العرض المقارن الذي يُظهر التشيع كحالة من الوعي الإيماني الشامل.
✨ خلاصة الخلاصة
كتاب «هوية التشيع» هو رحلة فكرية في جوهر مدرسة أهل البيت (ع)، يقدّم التشيع لا كعنوانٍ مذهبي، بل كهويةٍ إنسانية إصلاحية.
يبيّن أن التشيع هو:
«الوفاء لمحمدٍ (ص) في علمه، ولعليٍّ (ع) في عدله، وللحسين (ع) في ثورته.»
إنه كتابٌ يوقظ الفهم ويطهر الفكر من شوائب الجدل، ليعيد القارئ إلى أصل الرسالة المحمدية في صورتها العلوية النقية.