كتاب: مذكرات شاهد عيان عن ثورة النجف
المؤلف: الشيخ محمد أمين الإمامي الخوئي
عدد الصفحات: 197
📘 مذكرات شاهد عيان عن ثورة النجف (1336هـ / 1918م)
تأليف: الشيخ محمد أمين الإمامي الخوئي
عدد الصفحات: 197 صفحة
تحقيق: الشيخ صباح عنان مشكور
تقديم وتعليق: كامل سلمان الجبوري
الناشر: دار المؤرخ العربي – بيروت
✨ أولاً: التعريف بالكتاب وغايته
هذا الكتاب من أندر الشهادات التاريخية المكتوبة بقلم أحد المشاركين والمراقبين المباشرين لثورة النجف ضد الاحتلال البريطاني عام 1918م، أي قبل ثورة العشرين بعامين.
المؤلف، الشيخ محمد أمين الإمامي الخوئي، كتب هذه المذكرات بوصفه شاهد عيان عاش الأحداث يوماً بيوم، ونقلها بضمير العالم المتدين الذي رأى في الجهاد ضد المحتل واجباً شرعياً ووطنياً.
وتأتي أهمية المذكرات من كونها تجمع بين التوثيق الميداني والوعي الديني والسياسي، إذ رصد المؤلف التحركات، والمواقف الدينية، وتفاصيل الثورة من داخل النجف نفسها، لا من روايات لاحقة.
✨ ثانياً: المؤلف وسيرته العلمية (من الصفحات 7–13)
الشيخ محمد أمين الإمامي الخوئي (1303–1367هـ) هو من أعلام الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ولد في بلدة “نَهر كارون” في الأحواز، من أسرة علمية تعود نسباً إلى الإمام زين العابدين (ع).
أهم ملامح سيرته:
-
نشأته العلمية: هاجر إلى النجف وهو في سنٍّ مبكرة لطلب العلم، ودرس على كبار العلماء مثل الميرزا حسين النائيني والشيخ كاظم الخراساني، وكان له باع واسع في الفقه والأصول.
-
علاقاته بالحوزة: كان على صلة وثيقة بقيادات النجف الدينية والسياسية، وشارك في مؤتمراتها التي ناقشت مواجهة الاحتلال البريطاني.
-
صفاته الشخصية: عُرف بالزهد، والانقطاع للعلم، والجرأة في قول الحق، وكان من العلماء الذين مزجوا بين الفكر الإصلاحي والتجربة الجهادية.
وقد دوّن الشيخ الإمامي مذكراته بخطّه، وحُفظت في مكتبة أسرته حتى تم تحقيقها ونشرها.
✨ ثالثاً: محتوى الكتاب وهيكله العام
تتوزع المذكرات على مجموعة من المشاهد اليومية تبدأ قبيل اندلاع الثورة وتستمر حتى ما بعد قمعها.
ويُقسّم الباحث كامل الجبوري المضمون إلى خمسة محاور رئيسة:
1. الظروف العامة قبيل الثورة
-
يرسم المؤلف صورة دقيقة لأوضاع النجف السياسية والاجتماعية في أواخر العهد العثماني وأوائل الاحتلال البريطاني.
-
يشير إلى التوتر بين العلماء والمحتل البريطاني بسبب سياساته المناهضة للدين وتهجّمه على الحوزة.
-
يذكر حالة الفقر والحصار الاقتصادي الذي فرضته سلطات الاحتلال على النجف لإخضاعها.
2. بداية الثورة النجفية (1336هـ / 1918م)
-
يسجّل المؤلف الشرارة الأولى التي اندلعت حين أقدم البريطانيون على اعتقال بعض وجهاء النجف ومداهمة البيوت بحجة التفتيش عن أسلحة.
-
اجتمع العلماء في بيت المرجع الكبير آنذاك، وأصدروا فتوى بوجوب مقاومة المحتل.
-
يورد نصوصاً لبعض الفتاوى التي حرّضت على الجهاد والدفاع عن المقدسات.
-
ويصف كيف تحصّن الثوار في أزقة النجف القديمة، وكيف نُصبت المتاريس داخل المدينة.
3. الأيام الحاسمة للثورة
-
يُفرد المؤلف عدة صفحات يصف فيها المعارك التي استمرت أسابيع بين الثوار والقوات البريطانية المحاصرة للنجف.
-
يذكر أسماء بعض قادة الثورة من رجال الدين والوجهاء.
-
ويصف بالتفصيل استبسال الأهالي في الدفاع عن مدينتهم رغم الحصار المائي والغذائي.
-
ويورد مشاهد مؤثرة عن صلاة الجماعة في قلب الحرب، وكيف كان العلماء يتنقلون بين المقاتلين يثبّتونهم بالآيات والروايات.
4. سقوط النجف وأحداث ما بعد الثورة
-
يصف الشيخ الإمامي بدقة اليوم الذي اقتحم فيه البريطانيون أسوار النجف، وكيف فرضوا الأحكام العرفية وأعدموا عدداً من القادة.
-
يشير إلى دور الجواسيس والعملاء في خيانة المدينة، مما أدى إلى انكسار المقاومة.
-
ويعبّر عن ألمه بقوله في أحد المواضع:
«بكيت النجف كما تُبكى الأمّ الحنون حين يُسلب ولدها بين يديها، فكانت ثورتها سبيلاً للعزّة، وإن أُطفئت نارها ظاهراً».
5. النتائج والدروس المستفادة
-
يرى المؤلف أن ثورة النجف كانت مقدمة لثورة العشرين الكبرى، وأنها كشفت عن:
-
الدور القيادي للعلماء في مواجهة الاستعمار؛
-
قدرة المجتمع الديني على التنظيم السياسي؛
-
وعي الناس بضرورة الاستقلال عن القوى الأجنبية.
-
-
ويختم بقوله:
«إن الثورة وإن أُخمدت، فقد أبقت جذوةً من نورٍ ألهبت قلوب العراقيين جميعاً، وكانت أول لبنة في بناء الوعي الوطني.»
✨ رابعاً: القيمة التاريخية للمذكرات
-
توثيق مباشر من الداخل، كتبها رجل دين كان شاهداً ومشاركاً في الأحداث.
-
لغة حيّة وتفصيل يومي، تصف الشوارع، والمساجد، وحياة الناس أثناء الحصار.
-
مصدر نادر عن العلاقة بين الحوزة والمجتمع النجفي في مطلع القرن العشرين.
-
تكامل الوثيقة مع السيرة الشخصية للمؤلف، مما يجعلها سجلاً مزدوجاً للعالِم والحدث.
✨ خامساً: الملاحق والتحقيق العلمي
المحقق الشيخ صباح عنان مشكور قدّم شرحاً وتعليقات على النصوص القديمة، وذُيّل الكتاب بفهارس تشمل:
-
الأعلام والأماكن.
-
الوثائق الرسمية.
-
الفتاوى والبيانات الدينية.
-
الأحداث بحسب التسلسل الزمني.
وفي نهاية الكتاب (ص 19 من النسخة المصوّرة) نجد قائمةً بمؤلفات الشيخ الإمامي الأخرى، منها:
-
رسائل في الفقه والأصول.
-
بحوث في فلسفة اللغة العربية.
-
ملاحظات على تاريخ المصاحف.
وهذا يؤكد أن المؤلف لم يكن مجرد مؤرخٍ، بل فقيهاً لغوياً متمرّساً.
✨ سادساً: الدلالات العامة للكتاب
-
أن الثورة لم تكن عملاً سياسياً فقط، بل حركة دينية اجتماعية ذات بعدٍ رسالي.
-
أنها جسّدت مبدأ الولاية الشرعية للأمة في مواجهة المحتل.
-
وأن النجف، بفضل علمائها، كانت دائماً صوت الحرية في العراق والإسلام.
✨ خلاصة الخلاصة
إن كتاب «مذكرات شاهد عيان عن ثورة النجف» هو وثيقة روحية ووطنية في آنٍ واحد، تصوّر تلاحم العلم والدين والشعب في مقاومة الاحتلال.
ومن يقرأه يدرك أن الحوزة العلمية لم تكن يومًا منزوعة عن هموم الأمة، بل كانت محرّكها وضميرها.
فهو ليس مجرد سردٍ تاريخي، بل مرثية واعية لعزّة مدينةٍ عصيّةٍ على الانكسار.
